ففي رمضان نزل القرآن الكريم على الرسول صلى الله عليه وسلم، مصداقا لقوله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَان﴾ِ [البقرة: 185]. لذلك يكثر المسلمون من قراءة وتدارُس كتاب الله في هذا الشهر الفضيل، اقتداء بالرسول الكريم الذي كان يلتقي جبريل عليه السلام في ليالي رمضان فيدارسه القرآن، وقد سار الصحابة والتابعون على هذا النهج، فكانوا يتركون حلقات العلم في رمضان؛ ليتفرغوا لقراءة الذكر الحكيم، و تدبر آياته، والاستزادة من أجر تلاوته.
وفي رمضان أيضا، تُفتح أبواب الجنة، وتغلق أبواب جهنم، وتُصفد الشياطين. فقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالَ: (إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ ). لذلك يزيد إقبال المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها على الطاعات والعبادات في رمضان أكثر من غيره، فيصومون النهار، ويقومون الليل، ويرتلون القرآن، ويكثرون من الصدقات، ويسارعون لفعل الخيرات، ويكفون عن كثير من المخالفات التي ربما ارتكبوها سهوا وغفلة في باقي شهور السنة.
وفي رمضان شهر الغفران، تغفر للصائم ذنوبه، وتنقى صحائفه، ويغدو طاهرا كيوم ولدته أمه. فقد جاء في الحديث المتفق على صحته: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ). لذلك يحرص المسلمون أشد الحرص على صيام رمضان إيمانا واحتسابا، فيمسكون عن شهوتي البطن والفرج من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ويكثرون من الدعاء والتسبيح، ويقضون معظم الوقت متعبدين خاشعين، طمعا في مرضاة الله، ورجاء في رحمته ومغفرته.
وفي رمضان تعتق الرقاب من النار، وتستجاب الدعوات أكثر مما تستجاب في غيره. فقد ثبت في الحديث الصحيح عن نبيِّنا - صلى الله عليه وسلم - قوله: (إنَّ لِلَّهِ عُتَقَاءَ فِي كلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، لِكُلِّ عَبْدٍ مِنْهُمْ دَعْوَةٌ مُسْتجَابة). لذلك يستغل المسلمون شهر رمضان المبارك، فيعترفون بذنوبهم، ويقرون بأخطائهم، ويعرضون أنفسهم على الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم، ويتذللون له بالذكر والتسبيح، ويقومون الليل بين يديه، فيدعونه خوفا وطمعا، ويبتهلون إليه أن يجنبهم جهنم وعذابها، ويجعلهم عتقاء من النار.
وفي رمضان ليلة مباركة من أفضل الليالي وأعظمها، خيرها كثير وفضلها كبير. فيها نزل القرآن الكريم، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ...﴾ [الدخان: 3]. تلك الليلة هي ليلة القدر التي تعتبر بميزان الأجر والثواب، خيرا من ألف شهر مصداقا لقوله تعالى: ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْر ﴾ [القدر: 3-1]. وفي ذلك تنبيهٌ على شرفها وتنويه بفضلها، لذلك يتحراها المسلمون ويلتمسونها في العشر الأواخر من رمضان، ويتفرغون خلالها للتعبد والصلاة، فيقومون الليل، ويكثرون من تلاوة القرآن والتسبيح والدعاء والاستغفار، عساهم يدركون تلك الليلة المباركة، فيفوزوا بأجرها العظيم، وينالوا ثوابها الجليل.
وفي رمضان بركات كثيرة وأفضال متعددة لا يسع المجال لحصرها. بها يرتفع أجر المؤمنين وثوابهم، وتُمحى ذنوبهم وخطاياهم، فيزداد المحسن لنفسه إحسانا، ويبتعد المذنب عن المعاصي والخطايا، ويتقرب الجميع لله بالصلوات والصدقات والعطايا، فما أعظمه من شهر كريم، وما أجملها من مناسبة جليلة.
بقلم: محمد رياض